ريحانيات
حوار جيلين
مجموعة قصصية مشتركة
بين إدريس الصغير ومحمد سعيد الريحاني
باب محمد سعيد الريحاني
النص السادس
الاسم ''عاطل'' والمهنة
''بدون''
"لكل شخص الحق في
الراحة ووقت الفراغ، ويشمل دلك تحديدا معقولا لساعات العمل وعطلات دورية مدفوعة
الأجر."
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المادة 24
هو قدري أن أكون عاطلا وأمضي
حياتي على كراسي هذه المقهى البئيسة في انتظار من يقاسمونني نفس المصير لنتحدث عن أي
شيء يبعدنا عن التفكير في الانتحار.
منذ ميلادي، تحدد
مصيري. فقد أسماني أبي "عاطفا" لكن موظف الحالة المدنية استبدل فائي
لاما وسماني رسميا "عاطلا " ونلت بهذا الاسم الشواهد الدنيا
والعليا ودخلت المدارس والمعاهد والجامعات وكل المؤسسات التي ولجها أبنائ جيلي...
لكن المقاهي وحدها كانت الأرحب. ولم أشعر بهذا إلا بعدما
تمكن مني التعب والإحباط وخمد فِيَ الحماس إذ رأيت ما يراه الناس في أحلامهم
فيهبون مذعورين من فراشهم،مرعوبين من حقيقة ما كانوا
دائما يحاولون إخفاءه. فقد رأيت أنني أحمل قدري في
"اسْمِي"...
-
السلام عليكم ! أين بقية
الأصدقاء ؟
-
لم يحضروا بعد. اجلس.
-
سأفعل. أنا أصلا جئت
لأجلس.
ثم جلس وبدأ كعادته بالشكوى من
كليتيه والحديث عن أسباب الورم وأشكال الوقاية والعلاج منه :"أورام الكلي سببها الحصى في الطعام
والبرودة في المرقد والجلوس الطويل "... وإذا صدق تعليل صديقي لأسباب هذا
المرض، فلربما كانت أمراض الكلي هي مرض البلاد. ربما كل الناس مرضى بالكلي. قد تتفادى الحصى في طعامك والبرودة في مرقدك لكنك
لن تستطيع الإفلات من الجلوس الطويل، الطويل في المقاهي الرحبة. فكل أيام الله أيامك. ليس ثمة شغل
يصرفك عن قضم أظافرك وفرقعة مفاصل أصابعك على مدار الساعة... كل
أيام الله أيامك وكل مقاعد المقاهي تتسع لمؤخرتك وكل خدم المقاهي يعرفونك...
- السلام
عليكم! ألم يحضر الإخوان بعد ؟
- سيحضرون. ضروري.
تفضل.
-
سأجلس. هل من بديل عن الجلوس ؟!
هذا الصديق هو أخ نادل هذا
المقهى. لكننا نحن رواد مقاهي معروفين لدى كل النادلين.
وهـم، جميعهم، طوروا اتجاهنا معاملة ثابتة. فلا أحد منهم يرغمك على طلب مشروب ما إذا تجاهلتهم وتفاديت
النظر إليهم وهم يمسحون مائدتك ويرتبون الكراسي في صخب حولها. لا احد منهم، آنذاك،
يجرؤ على الحديث معك لأنهم يعلمون أنك، حين تصادف نظراتكما قطع نقدية في جيبك،فإنك
تكون البادئ في النظر. بل البادئ في الابتسام. وأحيانا قد تنهض وتخطو نحوه لمصافحة حارة وتطلب قهوة سادة. وعند الأداء، تضيف للثمن
بقشيشا لشراء الأمان منه حين لا تطلب شيئا، في المستقبل.
- السلام عليكم! الآخرون دائما متأخرون؟!
- سيحضرون. هذا هو مقرهم.
- طبيعي. هل لهم من اتجاه آخر؟!
طلبت من النادل مسح الدوائر
البنية التي يتركها كوب قهوتي على المائدة. انحنى على المائدة في لباقة. مسحها ثم
احضر كوب ماء. باقي الأصدقاء يتسمرون في
مكانهم كلما اقترب النادل من المائدة. يحمرون خجلا. يخفون توترهم بالتناوب على
كوب القهوة الوحيد على المائدة في رسالة واضحة للنادل على أن كوب قهوة واحد
يكفي.كل الأصدقاء يتحولون إلى أشخاص اجتماعيين يحكون
ويناقشون ويتندرون حتى إذا ما انسحب النادل عادوا إلى عزلتهم وصمتهم.
-
السلام عليكم!
- إلى أين أنت ذاهب ؟
-
إلى حالي.
- ألن تنتظر قدوم
بقية الأصدقاء؟!
- سنلتقي غدا. أيام الله كلها أيامنا.
- حسنا. مع السلامة، عاطل !
فهرس المجموعة القصصية
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory7-index.htm</title>
<meta name="description" content="حوار جيلين، مجموعة قصصية مشتركة بين محمد
سعيد الريحاني وإدريس الصغير
<meta
name="keywords" content=" أضمومة، مجموعة
قصصية مشتركة">