ريحانيات
حوار جيلين
مجموعة قصصية مشتركة
بين إدريس الصغير ومحمد سعيد الريحاني
باب إدريس الصغير
النص الأول
رجل، ورقة... وأحلام
على الرصيف يسير إلى عمله صباحا. صباح مضبب وبارد. يداه في جيبي سرواله، وأنفه
أو فمه أو هما معا، يقذفان دفقات من بخار. كذلك كل
المارة وجياد أو حمير أو بغال عربات الكارو. لكن بكمية
أكبر. تعثرت قدمه اليمنى بنتوء صخري صلب كادت فردة
الحذاء أن تتمزق »
كادت ان تتمزق طريقة في التعبير لقد تمزقت فعلا » . ألم حاد يخز خمسة أصابع القدم، ولزوجة تسري بين البراجم... الدم! لا شك أنه
الدم. سريعا يتجلط ويسود، ليجد في المساء لذة كبيرة في
انتزاع جلطات الدم السوداء المتيبسة فوق الجلد.نفس اللذة
التي يستشعرها حين ينظف منخري أنفه، أو حين يستخرج شوكة صبار مغروسة في جلد راحته.
الاستخراج بمساعدة إبرة خياطة يكون أفضل وألذ. ما علينا. يكمل طريقه. ليس أول حذاء يتمزق،وحتما لن يكون
الاخير.وماذا نملك أن نفعل؟ هل نفر من المكاتيب؟ عيناه على الرصيف. لن يتعثر ثانية. تراب وأزبال وسدادات قنينات المشروبات وأعقاب سجائر.
فكرة:
قد يجد حافظة نقود بها مبلغ
مالي محترم.او على الأقل ،قد يجد ورقة نقدية مكمشة مداسة
يغيب معظمها بين أكوام التراب.قديما كان هذا كثير الحدوث »قديما ،يعني منذ
عشر سنوات أو خمس عشرة سنة . « السكارى عادة ما تسقط منهم أشياء
ثمينة، وهم يترنحون ليلا في الدروب المظلمة ناشدين منازلهم. يسكر الواحد منهم في الحانة منفقا بدون حساب وحين يحين موعد الاوبة يعز
عليه دفع ثمن سيارة الأجرة فتحدث الكارثة. البدو كذلك تسقط منهم نقود يعقدون عليها عقدة في خرقة بالية وسخة. يحضرون الى
المدينة لبيع خضرواتهم فيسير الواحد منهم فوق حماره او عربته فاغرا فمه ،يتابع
ببلاهة وعجب سيقان الفتيات البضة لابسات
الميني جيب والمدخنات في الشارع فتكون كذلك الكارثة. لكن ليس على الرصيف
شيء . الناس لم يعودوا يملكون نقودا تسقط منهم، ومن يملك
ينتقل في سيارته الخاصة في حمى من الإسقاط ومن النشالين. ليس على الرصيف سوى اوراق
رهان الخيل الحمراء والبيضاء الممزقة »الحمراء للثلاثي
والبيضاء للرباعي. هنالك كذلك الزرقاء للثنائي. حتما نحن كذلك نعرف هذه
الأمور «
هو، الآن، على مقربة من
وكالة الرهان. كل هذه الأوراق خاسرة.حين تعلق النتيجة
على السبورة السوداء، يمزق الخاسرون أوراقهم إربا إربا.
ثم يبصقون على زجاج واجهة الوكالة.
فكرة:
لو انه يربح؟ ! مئة مليون ! سيكون الأمر جميلا يبني
لنفسه سكنا بحديقة ومسبح ولماذا يبنيه؟ هذا يتطلب وقتا. وهو مستعجل .يشتريه جاهزا أحسن. لكنه لا يحسن السباحة.
ولو .. يكتري معلم سباحة.قبيحة يكتري هذه. فليقل يوظف. يوظف يتفق أحسن .يتفق مع معلم سباحة يعلمه العوم. وان أغرقه؟ لا لا. هذا أمر مستبعد.
وماذا سيجني من ذلك غير السجن؟ يجزل له
العطاء فيعلمه دون أن يغرقه. والزوجة؟ يطلق هذه البلهاء الشمطاء التي تكدرعليه
عيشه. سبابها جارح. تقول له : »هل تظن نفسك رجلا، أيها المفلس؟ « .
لكن مع ذلك فان لها عليه بعض الأيادي البيضاء. فهي تنظف البيت والثياب،وتعنى بالأطفال ورغم ذلك سيطلقها. سيكون شهما. يعطيها مليونا أو مليونين. حتى عشرة. ألم يربح هو مئة ؟
- اسمعي يا
بنت الناس. التقينا إخوة، فلنفترق إخوة. خذي هذا الرزق
واتركيني لحالي وإن
احتجت شيئا، اطلبيه مني.
- نعم الرأي. هذا هو صنيع الرجال.
يتزوج فتاة صغيرة، مثل التي يراها في إشهار » الياورت« في التلفزيون. يطلب أهلها مهرا كبيرا. ولو ... لكن انتظر لم الزواج؟ يعيش حرا أفضل. يقتني في كل يوم واحدة. كيف يقول يقتني؟ ! المهم. في كل يوم واحدة كما يقول الشعر الذي حفظه من
صديق:
- فصفراء من
الصين وسمراء من الهند
والعمل؟
وصل الآن إلى باب المعمل . كالعادة لم يصل بعد أحد.
فقط هنالك الحارس النائم وهو يقتعد كرسيه بالباب يدخل
دون ان يوقظه ليحييه. ولم يحييه؟ ! أعور وأعرج.لابد أن يكون طالعه منحوسا لن يعمل بعد اليوم. كفى من تنظيف أرضية المكاتب وتلميع زجاج
السيارات، وإحضار القهوة والسجائر للموظفين.بل ونقل وريقات مطوية بينهم وبين
الموظفات.تقول زوجته الشمطاء. هذه ليست مهنة، هذه قوادة.
جميل! هكذا إذن؟ طلقناك وطلقنا القوادة. يشتري
سيارة. ولم واحدة؟ يشتري سيارتين. لكن هذا إسراف. واحدة
فقط، وحين تتقادم يشتري غيرها. لكن،انتظر هنالك مشكلة. حين يربح. يعني حين تعلق الأرقام على السبورة السوداء كما رتبها في
ورقته. يكتم الأمر. لن يقول لأحد. يقولون بان الكثيرين
يصابون بالحمق من هول المفاجأة. سيتمالك أعصابه، وهو يقف بين
المصطفين أمام سبورة الأرقام ويبصق مثلهم على زجاج الواجهة مرددا:
- تفو. ليس
لي حظ في هذه اللعبة المشؤومة. يبتعد عن الوكالة
وينتظر. حين تخلو من الرواد يتقدم بهدوء الى الشباك.يطل عليه رأس، ويطل هو كذلك
عليه برأسه:
- عندي ورقة رابحة.
- أرني.
يأخذها
منه. يتفحصها مليا،ثم يغادر كرسيه ويلج مكتبا ثم يغلق من
ورائه الباب. يمد هو عنقه من فتحة الشباك. لقد تأخر كثيرا.متى يعود؟ يعود ثم يقعد
على كرسيه:
- نعم؟
- أنا صاحب الورقة الرابحة.
- أين هي الورقة؟
- لقد أعطيتها لك.
- لم تعطني شيئا.هل أنت أحمق؟ !
هكذا اذن؟وقديما قال أجدادنا: »لا تامن،لا
تستأمن،في بلاد الأمان« .
الاحتياط واجب . ومالنا،قبل أن اذهب إلى
الوكالة استنسخ من الورقة صورا عند أصحاب » الفطوكوبي « درهم
للصورة.الأمر بسيط... يعرف أنني رابح. أغريه بمائة درهم حتى لا يغشني. يأخذ مني
الورقة.يقول، انتظر دقيقة الآلة معطلة. سأصلحها فورا. يصعد الدرج الخشبي الى سدة
الدكان. هل أصعد معه أم أقول له: "دع الورقة عندي حتى تعود؟"
لكن الوقت فات.غاب في السدة. اسمع وقع أقدامه على
الأرضية الخشبية. أهي أرضية أم سقف؟ والله ، لست أدري. هو ذا يعود. ينزل الدرج. ليس بيده شيء. نسيها في السدة.
- نعم؟
- صور لي خمس صور من الورقة.
- أين هي الورقة؟
- لقد أعطيتها لك وصعدت بها الى
السدة.
- لم تعطني شيئا.هل أنت
أحمق؟
- مشكلة،
والله. كيف يفعل الرابحون، إذن؟ ومالنا
وهذه السرعة. يتريث حتى يهتدي إلى طريقة مأمونة... يترك الورقة في جيبه يوما او
يومين.لن تفسد على كل حال. هل هي طماطم حتى تفسد
وتتعفن ؟ يسير في الشارع محاذرا. لن يعبر الطريق
حتى يتأكد من خلوها.سيارة طائشة او حتى دراجة نارية او عادية قد تضيع كل شيء.
يتحاشى السير تحت أعمدة الكهرباء. أسلاكها المتساقطة،لا تقتل الإنسان فقط ،بل تحيله إلى رماد هو وورقته. حتى السير
بمحاذاة حيطان العمارات خطر. قد تنهدم عمارة منها... لا
يحلو لها أن تنهدم إلا حين يكون هو تحتها. مشكلة والله. أين يسير إذن؟
الآن، انتهى من تنظيف
المكاتب والردهات، ووصل إلى الدرج الرئيسي. آخر مرحلة في
التنظيف لو انه يسقط؟ كثيرا ما حدث له هذا في هذا المكان اللعين.تزل قدمه، وتنخبط قفاه على حافة المرقاة يصيح،لا احد موجود.يخف إليه
الحارس الأعور مجرجرا رجله العرجاء. يتبين وجهه من خلال ضباب يغلف مقلتيه. شفتا الأعور تتمتمان . يسمعه... يقول
له،تذكر الشهادة... قل اشهد أن لا اله إلا الله. هكذا، ابن الكلب !لم يفكر سوى في الموت.
يجيبه بصعوبة خذ الورقة التي في جيبي وسلمها
لأولادي. أنها تساوي مئة مليون. يطمئنه،ويربت على كتفه ووجنتيه.يطويها ويضعها في
حافظة نقوده.لكن ابن الكلب لا يسلمها للأولاد. يستأثر بها
لنفسه،ولا يعود بعد حارسا.
الأسلم أن يترك الورقة في
المنزل. تجدها الزوجة البلهاء صدفة فلا تعرف قيمتها
وتمزقها...تمزقها؟ أنت واهم. بلهاء، لكنها تعرف رهان الخيل وحتى تكون سيء الحظ
فستجهل هذه البلهاء كل شيء إلا الإجراءات السليمة لصرف المقدار المربوح تلبس جلبابها وتضع لثامها وتجر أولادها من ورائها. ترجع أنت في المساء متعبا. تطرق الباب مرات فلا تجاب.حتى المفتاح نسيت أن تحمله معك اليوم.
تركت لك خبرا عند الجيران:
»إذا
حضر في المساء... قولوا له: إن اهتديت إلى مكاني أيها القرد الهرم فافعل بي ما
تشاء« .
فهرس
المجموعة القصصية
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory7-index.htm</title>
<meta name="description" content="حوار جيلين، مجموعة قصصية مشتركة بين محمد
سعيد الريحاني وإدريس الصغير
<meta
name="keywords" content=" أضمومة، مجموعة
قصصية مشتركة">